ما بين ألم الماضِ و قسوة الحاضر
لم تستصغ طعم الطفولة اللذيذ، لم يكن لديها
الوقت لتقضي ساعاتٍ على الأرجوحة أو تبكي على قطع السكاكر، فقد حملت أعباء المنزل
على كاهلها منذ أن اشتدّ قوامها، و عند بلوغها سنّ الرُّشد دخلت في دوامةٍ طويلة مليئةٌ بالثغرات و الصعاب، تلك هي دعاء نصيرات
صاحبة الستة و عشرون عاماً.
بطلتُنا ذاقت من المرّ ما يكفيها أثناء
دخولها الثانوية العامة لكن لم يحالفها الحظّ لاجتياز الامتحانات بنجاحٍ، مما
دفعها لفرصة التقدم لأحد مراكز التجميل لأخذ دوراتٍ و المشاركة في ورشاتٍ عدّة.
امتلئت دعاء بالبهجة بعدما أصبحت قادرةً على
إتقانٍ مهنةٍ تستطيع من خلالها توفير حياةٍ كريمة لها و لعائلتها، لكن هذا لم
يمنعها من العمل لدى شركة ألبسةٍ مدة عامين وهيه تقلبُ صفحةً جديدةٍ من حياتها.
وعلى حين غرّةٍ باغتها خيط أملٍ من جديد عندما صدر قرارٌ من وزارة التربية و
التعليم يتيح لها إعادة التقدم للامتحانات الوزارية، و دون تفكيرٍ عميق شرعت
بالتهيء لاغتنام هذه الفرصة.
" إنه اليوم الموعود، إنها
الفرصة الذهبية..." رددت دعاء هذه الكلمات وهي تضمُّ يديها على صدرها و تشعرُ
بقرع طبول قلبها بشدة وهيه ترتعش توتراً، نعم !! إنه أول اختبارٍ لها بعدما ذرفت
دموعاً كثيرة و سهرت ليالٍ طويلة تتحضرُّ لهذه الحرب النفسية.
و في آخر يومٍ من اختباراتها خرجت من القاعة
ترفرفُ فرحاً راضيةً عن أدائها في هذا اليوم أيضا، لم تكُن تلك النهاية بل حصلت
على منحةٍ دراسية في الجامعة خفّضت تكاليف تعليمها.
لم يكُن لديها حيلةٌ سوى أن تمتزج ضحكاتها
بالدموع و تحمدُ الله على غمرها بهذه السعادة التي لم تكن تحلم بها يوماً، و ثم
باشرت بدخول تخصص " أمن معلومات و شبكات " و عزمت على تحقيق ثاني خطوةٍ
من النجاح بعون الله.
و في كلّ حكاية سعيدة تخرجُ عقدةٌ تجعلنا
نقفُ في منتصف الطريف نتساءل ما العمل ؟ و هذا تماما ما واجه صديقتنا دعاء فلم يكن
موعد العمل مناسباً مع دراستها و التزامها به، لكننها لم تتوقف لقد قطعت عهداً على
نفسها بالاستمرار إلى آخر رمق، فلجأت إلى عملٍ في منزلها متداولٌ كثيراً هذه
الأيام و يعرفُ " بالبيع المنزلي "، لكن لم يحالفها الحظّ هذه المرة بعد
خسارتها مبالغ من المال جعلتها تتوقف عن المتابعة في هذه الطريق الشائكة.
لكن
سُرعان ما لجأت في إلى مراكز التجميل فهي ذاتُ خبرة متواضعة، أو هذا ما كانت تظنه،
شعورها بغصّةٍ قوية في حلقها و دموعها ترفضُ التوقف عن الانهمار بغزارةٍ، نظرت إلى
سقف غرفتها المهترئ دون أن تنبس ببنت كلمة كأنها تخاطبُ الله في جهرها تستنجدُ به
" الله...انت تسمعني، أرجوك لا أريد التوقف هنا...لقد أصبح القاعُ قريباً يا
إلهي...ساعدني فما لي سواك "، وما هي إلا دقائق معدودة حتى تلتفت إلى هاتفها
الذي يرنّ في حقيبتها، و أجابت على الفور ليتحول ظلامُ عيناها التعيس إلى شمسٍ
مشرقة تتلألأ عند بزوغ الفجر.
عزيزتنا دعاء انطلقت من غرفتها إلى والديها و
الابتسامة تعلو محيّاها فنظرا إليها بتعجب، مسحت آثار دموعها بكمّها و قالت لها
مشروعها الجديد للعمل، " أبي، أمي.
سأعمل من جديد، إحدى صديقاتي عرضت عليّ
البيع في بسطةٍ للحُلي و الجواهر و هيه ستدفع لي جميع التكاليف، لن أحتاج أحداً و لن أمد يدي اسأل الصدقة، إنها فرصتي لإكمال
الجامعة و دعم اخوتي في حياتهم المدرسية، ما رأيكما "، لكنّ الرفض كان
متوقعاً فكيف لشابةٍ صغيرة تعمل بهذه الطريقة، نهضت دعاء و هيه ترجوهما على
إعطائها فرصة للمكافحة و ستكونُ عند حسن ظنهما، بل أصرت و زاد اصرارها فما سبيل
لها غير هذا العرض فالرفض كان مرفوضاً لديها.
و بعد ساعات طِوالٍ من الإلحاح و الإقناع و التودد لوالديها
قبلا فكرتها لكنّ الخوف عليها لا زال وارداً، وما أن شعرت بالموافقة حتى قبّلت
جبين والديها و هيه تقول " سأكون لها...سأكون لها.." .
امتلئت دعاء بالبهجة بعدما أصبحت قادرةً على إتقانٍ مهنةٍ تستطيع من خلالها توفير حياةٍ كريمة لها و لعائلتها، لكن هذا لم يمنعها من العمل لدى شركة ألبسةٍ مدة عامين وهيه تقلبُ صفحةً جديدةٍ من حياتها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق