عين
الجمعة، 22 مايو 2020
الثلاثاء، 5 مايو 2020
الجمعة، 13 مارس 2020
ما بين ألم الماضِ و قسوة الحاضر
لم تستصغ طعم الطفولة اللذيذ، لم يكن لديها
الوقت لتقضي ساعاتٍ على الأرجوحة أو تبكي على قطع السكاكر، فقد حملت أعباء المنزل
على كاهلها منذ أن اشتدّ قوامها، و عند بلوغها سنّ الرُّشد دخلت في دوامةٍ طويلة مليئةٌ بالثغرات و الصعاب، تلك هي دعاء نصيرات
صاحبة الستة و عشرون عاماً.
بطلتُنا ذاقت من المرّ ما يكفيها أثناء
دخولها الثانوية العامة لكن لم يحالفها الحظّ لاجتياز الامتحانات بنجاحٍ، مما
دفعها لفرصة التقدم لأحد مراكز التجميل لأخذ دوراتٍ و المشاركة في ورشاتٍ عدّة.
امتلئت دعاء بالبهجة بعدما أصبحت قادرةً على
إتقانٍ مهنةٍ تستطيع من خلالها توفير حياةٍ كريمة لها و لعائلتها، لكن هذا لم
يمنعها من العمل لدى شركة ألبسةٍ مدة عامين وهيه تقلبُ صفحةً جديدةٍ من حياتها.
وعلى حين غرّةٍ باغتها خيط أملٍ من جديد عندما صدر قرارٌ من وزارة التربية و
التعليم يتيح لها إعادة التقدم للامتحانات الوزارية، و دون تفكيرٍ عميق شرعت
بالتهيء لاغتنام هذه الفرصة.
" إنه اليوم الموعود، إنها
الفرصة الذهبية..." رددت دعاء هذه الكلمات وهي تضمُّ يديها على صدرها و تشعرُ
بقرع طبول قلبها بشدة وهيه ترتعش توتراً، نعم !! إنه أول اختبارٍ لها بعدما ذرفت
دموعاً كثيرة و سهرت ليالٍ طويلة تتحضرُّ لهذه الحرب النفسية.
و في آخر يومٍ من اختباراتها خرجت من القاعة
ترفرفُ فرحاً راضيةً عن أدائها في هذا اليوم أيضا، لم تكُن تلك النهاية بل حصلت
على منحةٍ دراسية في الجامعة خفّضت تكاليف تعليمها.
لم يكُن لديها حيلةٌ سوى أن تمتزج ضحكاتها
بالدموع و تحمدُ الله على غمرها بهذه السعادة التي لم تكن تحلم بها يوماً، و ثم
باشرت بدخول تخصص " أمن معلومات و شبكات " و عزمت على تحقيق ثاني خطوةٍ
من النجاح بعون الله.
و في كلّ حكاية سعيدة تخرجُ عقدةٌ تجعلنا
نقفُ في منتصف الطريف نتساءل ما العمل ؟ و هذا تماما ما واجه صديقتنا دعاء فلم يكن
موعد العمل مناسباً مع دراستها و التزامها به، لكننها لم تتوقف لقد قطعت عهداً على
نفسها بالاستمرار إلى آخر رمق، فلجأت إلى عملٍ في منزلها متداولٌ كثيراً هذه
الأيام و يعرفُ " بالبيع المنزلي "، لكن لم يحالفها الحظّ هذه المرة بعد
خسارتها مبالغ من المال جعلتها تتوقف عن المتابعة في هذه الطريق الشائكة.
لكن
سُرعان ما لجأت في إلى مراكز التجميل فهي ذاتُ خبرة متواضعة، أو هذا ما كانت تظنه،
شعورها بغصّةٍ قوية في حلقها و دموعها ترفضُ التوقف عن الانهمار بغزارةٍ، نظرت إلى
سقف غرفتها المهترئ دون أن تنبس ببنت كلمة كأنها تخاطبُ الله في جهرها تستنجدُ به
" الله...انت تسمعني، أرجوك لا أريد التوقف هنا...لقد أصبح القاعُ قريباً يا
إلهي...ساعدني فما لي سواك "، وما هي إلا دقائق معدودة حتى تلتفت إلى هاتفها
الذي يرنّ في حقيبتها، و أجابت على الفور ليتحول ظلامُ عيناها التعيس إلى شمسٍ
مشرقة تتلألأ عند بزوغ الفجر.
عزيزتنا دعاء انطلقت من غرفتها إلى والديها و
الابتسامة تعلو محيّاها فنظرا إليها بتعجب، مسحت آثار دموعها بكمّها و قالت لها
مشروعها الجديد للعمل، " أبي، أمي.
سأعمل من جديد، إحدى صديقاتي عرضت عليّ
البيع في بسطةٍ للحُلي و الجواهر و هيه ستدفع لي جميع التكاليف، لن أحتاج أحداً و لن أمد يدي اسأل الصدقة، إنها فرصتي لإكمال
الجامعة و دعم اخوتي في حياتهم المدرسية، ما رأيكما "، لكنّ الرفض كان
متوقعاً فكيف لشابةٍ صغيرة تعمل بهذه الطريقة، نهضت دعاء و هيه ترجوهما على
إعطائها فرصة للمكافحة و ستكونُ عند حسن ظنهما، بل أصرت و زاد اصرارها فما سبيل
لها غير هذا العرض فالرفض كان مرفوضاً لديها.
و بعد ساعات طِوالٍ من الإلحاح و الإقناع و التودد لوالديها
قبلا فكرتها لكنّ الخوف عليها لا زال وارداً، وما أن شعرت بالموافقة حتى قبّلت
جبين والديها و هيه تقول " سأكون لها...سأكون لها.." .
امتلئت دعاء بالبهجة بعدما أصبحت قادرةً على إتقانٍ مهنةٍ تستطيع من خلالها توفير حياةٍ كريمة لها و لعائلتها، لكن هذا لم يمنعها من العمل لدى شركة ألبسةٍ مدة عامين وهيه تقلبُ صفحةً جديدةٍ من حياتها.
و من الفجر كانت تبدأ صباحها في البيع، لا شكّ أن البدايات صعبة فهي احتاجت
لبعض الشهرة ليصبح لها زبائن يثقون بها، فكانت تُقابل السخرية التي تتلقاها على
مسامعها " بنتٌ على بسطة " بابتسامةٍ عريضةٍ غير مكترثةٍ لنظرات
الاستصغار التي تحوم حولها، بل كانت على يقينٍ أنها في سُلم النجاح، ولم تمض سوى
بضع أشهرٍ وجيزة إلى أن اشتهرت بسطةُ دعاء لحسن تعاملها و منتجاتها معقولة السعر،
و لم تتوقف عن كونها بائعة بسيطة بل تخطط لتطوير نفسها و توسيع مشروعها لتثبت
نفسها أكثر بين طبقات المجتمع، فهي امرأةٌ تثق بنفسها حقّ الثقة و تسعى للتقدم و
النجاح و الصعود نحو القمّة طالما رأسُها يشتمُّ الهواء.
الطالبة : عائشة طعاني
ذكرى في طيّات النُفوس
لا زالت أطياف تلك الحادثة تجولُ في زوايا
رأسي و تعبثُ هنا و هناك، إلا أنّ ذكراها تجاوزت الخمسين عاماً، لكنني أراها بوضوحٍ
شديد كأنها شريطٌ يعرض تفاصيلها بكل دقّةٍ تسرق النوم من عينيّ. تلك الأصوات و صراخُ
أحدهم يرتجفُ من البُندقية المصوّبة في منتصف جبينه، يا لها من عفاريت لعينةٍ تُتقن
كل هذه الأدوار بحذافيرها.
معركةُ الكرامة، أو كما أُطلق عليها
" أسطورة القرن العشرين " التي غيّرت مُجريات الأوضاع العربية عامةً و الأردنية
على وجه الخصوص. كنتُ آنذاك جندياً وقع تحت الأسر بين يديّ معسكرٍ إسرائيليّ يُدعا " عتْليت
"، على حدّ ذاكرتي كان يقبعُ بالقرب من مدينتي حيفا و يافا، و تعرضتُ لجراحةٍ
مُستعجلة بعد إصابتي و تمّ اعتقالي شهراً كاملاً.
يمكنني الجزم أنها أسوأ تجربةٍ خضتها أثناء
المعركة، فقد ضقتُ ذرعاً من شتّى طُرق التعذيب التي مارسها عليّ العدوّ الأسرائيلي
دون رحمةٍ، بل يتفننُ باقتلاع كرامتنا وهو
يسهبُ علينا بوابل من الشتائم و الإهانة، و كلُ ما يريدون معرفته مني و من رفاقي في
الحبس هو ما طبيعية الأسلحة التي تمتلكها قواتنا و مدى تطورها ؟ و كيف استطاعتْ سرية
الجيش العربي أن تُعيق تقدّم هجوم لواءٍ مدرعٍ قويٍ مرتين؟ .
تجاهلتُ كل هذا الضغط الذي اُلقي على عاتقي و التزمتُ الصمتْ، الى أن يُثير غضبي أحد جنود العدو وهو يوجّه كلامهُ
لنا بسخريةٍ و تعالٍ: ما أنتم إلا مُرتزقة من شرق الأردن، ما لكم تدافعون عن فلسطين
بكلّ هذه الهمة ؟
أجبتهُ كالبركان الهائج و بدأت عروق جبيني
و رقبتي بالبروز: من ندافعُ عنها هي أرضنا و شعبنا و كل ما عليها من مقدساتٍ تخصنا،
لم تكن يوماً تلك الحدود الوهمية فاصلاً بين قلوبنا، و إن كان احدٌ هنا مرتزقٌ فهُم
أنتم أيها السُفهاء .
ناظرني الجندي بعينين جاحظتين و سألني عن
اسمي، فأجبته بكلُ رفعةٍ و شموخ: فرحان بني خالد.
ثم خرج وهو يتوعد بعقابٍ شديد يلائم ردّي
الذي اندفع كالسهم و لا يأبه ما العواقب.
و عندما حان وقتُ تبادل الأسرى، طلبت إحدى
المذيعات من التلفزيون الاسرائيلي الإفصاح عن حقيقة معاملتهم للأسرى، إلا أن رفضهم
لم يكُن غريباً عن نواياهم. و في هذه الأثناء تم نقلي إلى مشفى " ماركا " العسكرية لاستكمال
علاجي وتلقّي الإجراءات الضرورية اللازمة.
و لكنني ابتسمتُ ببشاشةٍ حينما سمعتُ بزيارة الأمير حسن لي أثناء تواجدي في
المشفى، و رويتُ له كل ما مررتُ به من عقباتٍ أنا و باقي الأسرى، بينما يطالعني هو
بنظرة فخرٍ و اعتزاز عالجت جروح روحي.
و مرت الأيام كالقطار دون توقف و هي تحملُ في ثناياها كل
شعور الأمل و الفرحة التي خالطت شعبنا الأردنيّ العريق، مُخلّدةً كل تلك اللحظات
الممزوجة بين الخسارة و الانتصار، و الحزن و الابتسام. لا يمكنني إنكار تلك
اللحظات العصيبة لكن كما يُقال " الصبرُ مفتاح النجاح "، و يا له من
نجاحٍ باهرٍ و زهيدٍ حينما أتذكر دموع الأطفال فرحةً مُكلّلةٌ بالزهور الذي امتزج مع
رائحة دماء الشهداء في صمودهم و تضحيتهم السامية رافضين الخضوع لذاك الكيان النكرة.
نظرتُ للساعة و إذ بها تجاوزت الثانية عشر
ظُهراً، كيف مضى كل هذا الوقت بالتفكير دون أن انتبه، فأنا على عجلةٍ من أمري
لحضور الاحتفال الوطني الذي سيُعقد بعد نصف ساعة، فقد أصبحت أشاركُ بهذه الفعاليات
الاجتماعية الكبيرة للتحدثُ بكل شغفٍ عن
كل تلك الذكريات الراسخة في خلايا رأسي و أعشقها حتى النخاع.
انتهيتُ من تجهيز نفسي بثوبٍ علىشكل العلم الأردني و يحمل كل معاني القوة و الاعتزاز، و أمسكت عصاي العزيزة، فقدشهدت معي هذه العصا العتيقة جميع الحروب التي خُضتها و بقيت صامدةً حتى هذه اللحظة،فأنا أجلبها في كل احتفالٍ أو فعاليةٍ أشارك بها كعربون شكرٍ لوجودها بجانبيدائماً، ولم تكن وحدها بل لديّ هذا الخنجرالذي أعتزُ به أيضا. و على حين غرّةٍ علت وجهي ابتسامةٌ مبهمة و غادرت بخُطىً تتحدى الواقع المجهول بما يحمله في جعبته لي.
الطالبة : سندس جوارنه
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)